السبت، 2 مارس 2013

ظهور كليلة ودمنة

ظهور كليلة ودمنة

.....

شاهد الفيديو

.....
.....
كان بأرض مجاورة تسمى ’’دستاوند‘‘ رجلٌ شيخٌ وكان له ثلاثة بنين . فلما بلغوا أشدهم أسرفوا في مال أبيهم ؛ ولم يكونوا احترفوا حرفةً يكسبون لأنفسهم بها خيراً . فلامهم أبوهم ؛ ووعظهم على سوء فعلهم .
وكان من قوله لهم : يا بني ؛ إن صاحب الدنيا يطلب ثلاثة أمور لن يدركها إلا بأربعة أشياء :
أما الثلاثة التي يطلب ، فالسعة في الرزق ، والمنزلة في الناس ، والزاد للآخرة .
وأما الأربعة التي يحتاج إليها في درك هذه الثلاثة :
فاكتساب المال من أحسن وجه يكون .
ثم حسن القيام على ما اكتسب منه .
ثم استثماره .
ثم إنفاقه فيما يصلح المعيشة ويرضي الأهل والإخوان ، فيعود عليه نفعه في الآخرة .
فمن ضيع شيئاً من هذه الأحوال لم يدرك ما أراد من حاجته ، لأنه إن لم يكتسب ، لم يكن مالٌ يعيش به .
وإن هو ذا مالٍ واكتسابٍ ثم لم يحسن القيام عليه ، أوشك المال أن يفنى ويبقى معدماً .
وإن هو وضعه ولم يستثمره ، لم تمنعه قلة الإنفاق من سرعة الذهاب ، كالكحل الذي لا يؤخذ منه إلا غبار الميل ثم هو مع ذلك سريعٌ فناؤه .
وإن أنفقه في غير وجهه ، ووضعه في غير موضعه ، وأخطأ في مواضع استحقاقه ، صار بمنزلة الفقير الذي لا مال له ، ثم لا يمنع ذلك ماله من التلف بالحوادث والعلل التي تجري عليه .
ثم أن بني الشيخ اتعظوا بقول أبيهم وأخذوا به وعلموا أن فيه الخير.
فانطلق أكبرهم نحو أرض يقال لها ’’مَيون‘‘ ؛ فأتى في طريقه على مكان فيه وحلٌ كثيرٌ ، وكان معه عجلةٌ يجرها ثوران ؛ يقال لأحدهما ’’شتربة‘‘ وللآخر ’’بندبة‘‘ ، فوحل ’’شتربة‘‘ في ذلك المكان ، فحاول الرجل وأصحابه إخراجه حتى بلغ منهم الجهد ، فلم يقدروا ، فذهب الرجل وترك عنده رجلاً يشارفه ؛ لعل الوحل ينشف فيتبعه بالثور . فلما بات الرجل بذلك المكان ، تبرم به واستوحش ، فترك الثور والتحق بصاحبه ، فأخبره أن الثور قد مات ؛ وقال له :
إن الإنسان إذا انقصت مدته وحانت منيته فهو وإن اجتهد في التوقي من الأمور التي يخاف فيها على نفسه الهلاك لم يغن ذلك عنه شيئاً ، وربما عاد اجتهاده في توقيه وحذره وبالاً عليه .
وأما الثور فإنه خلص من مكانه وانبعث . فلم يزل في مرج مخصب كثير الماء والكلأ ، فلما سمن وأمن جعل يخور ويرفع صوته بالخوار . وكان قريباً منه أجمةٌ فيها أسدٌ عظيمٌ ، وهو ملك تلك الناحية ، ومعه سباعٌ كثيرةٌ وذئابٌ وبنات آوى وثعالب وفهودٌ ونمورٌ ، وكان هذا الأسد منفرداً برأيه دون أخذٍ برأي أحد من أصحابه . فلما سمع خوار الثور ؛ ولم يكن رأى ثوراً ٌ ، ولا سمع خواره ، لأنه مقيماً مكانه لا يبرح ولا ينشط ، بل يؤتى برزقه كل يوم على يد جنده . وكان فيمن معه من السباع ابنا آوى يقال لأحدهما ’’كليلة‘‘ وللآخر ’’دمنة‘‘ ، وكانا ذوي دهاء وعلمٍ وأدبٍ . فقال ’’دمنة‘‘ لأخيه ’’كليلة‘‘ :
يا أخي ما شأن الأسد مقيماً مكانه لا يبرح ولا ينشط ؟
قال له ’’كليلة‘‘ :
ما شأنك أنت والمسألة عن هذا ؟ ، نحن على باب ملكنا آخذين بما أحب وتاركين لما يكره ، ولسنا من أهل المرتبة التي يتناول أهله كلام الملوك والنظر في أمورهم . فأمسك عن هذا .
قال ’’دمنة‘‘ :
ولكن اعلم أن كل من يدنو من الملوك ليس يدنو منهم لبطنه ، وإنما يدنو منهم ليسر الصديق ويكبت العدو . وإن من الناس من لا مروءة له ، وهم الذين يفرحون بالقليل ويرصون بالدون ، كالكلب الذي يصيب عظماً يابساً فيفرح به . وأما أهل الفضل والمروءة فلا يقنعهم القليل ، ولا يرضون به ؛ دون أن تسموا به نفوسهم إلى ما هم أهلٌ له ، وهو أيضاً لهم أهلٌ ، كالأسد الذي يفترس الأرنب ، فإذا رأى البعير تركها وطلب البعير ، ألا ترى أن الكلب يبصبص بذنبه ، حتى ترمى له الكسرة ، وأن الفيل المعترف بفضله وقوته إذا قدم إليه علفه لا يعتلفه حتى يمسح ويتملق له . فمن عاش ذا مالٍ وكان ذا فضلٍ وأفضالٍ على أهله وإخوانه فهو وإن قل عمره طويل العمر . ومن كان في عيشه ضيقٌ وقلةٌ وإمساكٌ على نفسه وذويه فالمقبور أحيا منه . ومن عمل لبطنه وقنع وترك ما سوى ذلك عد من البهائم .
.....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق