استعصت الحلول
…...كان الفيلسوف ’’بَيْدَبَا المصري‘‘ في مجلس الملك ’’دَبْشَلِيم‘‘ بعد غياب ، فاستأذن الملك قائلاً :
أيأذن لي مولاي بالحديث ؟
فقال الملك :
كيف صحتك الآن قبلاً يا
’’بَيْدَبَا‘‘ ؟
فقال الفيلسوف :
الحمد لله ، فقد تعافيت بفضل
الله ، وأشكر كرمكم يا مولاي بإرسالكم
طبيبكم الخاص
لمداواتي .
فقال الملك :
ماذا عندك يا فيلسوف ؟
فقال ’’بَيْدَبَا‘‘ :
هناك أمور حدثت في غابة ’’خِصْر‘‘ أود أن أقصها على مولاي ، فقد خرج
’’كليلة‘‘ و ’’دمنة‘‘ في جولة ليتفقدوا أحوال أهل
الغابة ، فوجدا حالة من السخط تعم الرعية ، بمختلف
فصائلها الضعيفة والقوية . فاستوقف
’’دمنة‘‘ فهد أسود يتحرك وسأله عن سبب
سخطه فقال :
أصبحت مستلزمات المعيشة
الضرورية ؛ صعبة المنال وهي مطلوبة بصورة
دورية ؛ وهي
لا تستغنى عنها جميع الفئات ؛ من جميع أنواع الحيوانات ، سواء أكانت من آكلة العشب أو من آكلة اللحوم ، ولابد أن أبذل جهداً فوق طاقتي ،
لأحصل على أقل القليل من حاجتي . والمعاونون
الذين خصصهم الحاكم ’’صَنَادِق‘‘ ، لا يقومون بما هو مطلوب من العناء الصادق ؛ لحل هذه الأزمة وتوفير المطلوب ، دون تكبيدنا هذا العناء الدؤوب ،
والذي بالتالي يعيقنا ؛ عن أداء واجباتنا ،
والقيام بأعبائنا .
فقال له ’’دمنة‘‘ :
علها أزمة وتزول .
فقال :
بل إلى المجاعة تؤول .
وتَسَمَّعَا لبعض الأفراد
يتحدثون ؛ عن يومٍ قاموا بتحديده فيه
ينوون ؛أن
يتركوا جميعهم، الأعمال المنوطة بهم ، ويتجمعوا في عدة بقاع ، ليُظهِروا للحاكم ومعاونيه مدى الارتياع ، وسخطهم واستياءهم ؛ مما وصل إليه
حالهم ؛ من صعوبة الحصول على الطعام ؛ في غابة ’’خِصْر‘‘ ؛ والمعاونون نيام .
فقال الملك ’’دَبْشَلِيم‘‘
:
وأين كان الحاكم ومعاونوه ،
ليرهق شعبه ويجعلهم يعانون ما يعانوه ؟
فقال الفيلسوف ’’بَيْدَبَا‘‘ :
انشغل كل منهم بحاله ، ونسي
واجباته وصميم أعماله ، ولكي تحصد اليوم
وغداً ، لابد
أن تكون قد زرعت من مدى .
فقال الملك :
وكيف يغيب عن المعاونين
التخطيط ، والحاكم كيف لم يكن بأمرهم محيط . وما دورهم إذن في الغابة ، إذ
لم يوفروا الحياة لكل دابة . فبدونهم يأتي يوم بالخير الوفير ، وبعده يسود الجدب إلا من نذر يسير . والقوي يأكل ما ينال
وما يريد ، والضعيف يتلوى من جوع شديد .
وقد يأكل القوي الضعيف ويستهين ؛ بحاله وضعفه وتوسلات المستكين .
فقال الفيلسوف :
إن الذي بات همه كرسيه وسلطته ؛ ضَيَّع مصالح الرعية وضاعت معها هيبته .
والذي دهس الطريق ولمس أوجاع الرعية ؛
أصلح العيوب ؛ وأبعد الكروب ، وحفظته الرعاية الإلهية .
ولأعود بالحديث عن أهل غابة ’’خِصْر‘‘ ، والذين بلغت أحوالهم مبلغها من العسر . فسأل ’’دمنة‘‘ زرافة تسير في الطريق ؛ قال :
ألا تجدين ما يسد رمقك من طعام ؟
قالت :
وكيف وخيرات الغابة يجمعها
اللئام ، ويهربونها ، ويخبئونها ، ولا
يتركون ؛ إلا
خراباً ننبشه ، ونفتشه ؛ علنا نجد فيه ما يسكن البطون .
قال ’’كليلة‘‘ :
أطيلوا فترة العمل ، وتذرعوا
بالصبر تبلغوا الأمل .
قالت :
وصلنا الليل بالنهار ، وبحثنا
بالأرض وبأعلى الأشجار … دعاني وشأني
، وضعفي ووهني .
قال ’’دمنة‘‘ لرفيقه ’’كليلة‘‘ :
أرأيت .. العشب واللحوم
والحبوب ؛ يهربها المعاونون والمساعدون
وأصحاب
الدروب ، يثرون منها وتنتفخ منها الجيوب .
قال الفيلسوف ’’بَيْدَبَا المصري‘‘ :
هذا الحاكم يا مولاي ؛ الذي يترك الأمور ؛ تجري كما يحلوا لمعاونيه ولا
يثور ، لولا ضباعه ؛ لأنزله شعبه عن عرشه
وباعه ؛ بأي ثمن ؛ يداوي به أوجاعه .
قال الملك ’’دَبْشَلِيم‘‘ :
صدقت يا فيلسوف .