الاثنين، 11 نوفمبر 2024

استعصت الحلول

 استعصت الحلول

…..

.كان الفيلسوف ’’بَيْدَبَا المصري‘‘ في مجلس الملك ’’دَبْشَلِيم‘‘ بعد غياب ، فاستأذن الملك قائلاً :

أيأذن لي مولاي بالحديث ؟

فقال الملك :

كيف صحتك الآن قبلاً يا ’’بَيْدَبَا‘‘ ؟

فقال الفيلسوف :

الحمد لله ، فقد تعافيت بفضل الله ، وأشكر كرمكم يا مولاي بإرسالكم طبيبكم الخاص لمداواتي .

فقال الملك :

ماذا عندك يا فيلسوف ؟

فقال ’’بَيْدَبَا‘‘  :

هناك أمور حدثت في غابة ’’خِصْر‘‘ أود أن أقصها على مولاي ، فقد خرج ’’كليلة‘‘ و ’’دمنة‘‘ في جولة ليتفقدوا أحوال أهل الغابة ، فوجدا حالة من السخط تعم الرعية ، بمختلف فصائلها الضعيفة والقوية . فاستوقف ’’دمنة‘‘ فهد أسود يتحرك وسأله عن سبب سخطه فقال :

أصبحت مستلزمات المعيشة الضرورية ؛ صعبة المنال وهي مطلوبة بصورة دورية ؛ وهي لا تستغنى عنها جميع الفئات ؛ من جميع أنواع الحيوانات ، سواء أكانت من آكلة العشب أو من آكلة اللحوم ، ولابد أن أبذل جهداً فوق طاقتي ، لأحصل على أقل القليل من حاجتي . والمعاونون الذين خصصهم الحاكم ’’صَنَادِق‘‘ ، لا يقومون بما هو مطلوب من العناء الصادق ؛ لحل هذه الأزمة وتوفير المطلوب ، دون تكبيدنا هذا العناء الدؤوب ، والذي بالتالي يعيقنا ؛ عن أداء واجباتنا ، والقيام بأعبائنا .

فقال له ’’دمنة‘‘  :

علها أزمة وتزول .

فقال :

بل إلى المجاعة تؤول .

وتَسَمَّعَا لبعض الأفراد يتحدثون ؛ عن يومٍ قاموا بتحديده فيه ينوون ؛أن يتركوا جميعهم، الأعمال المنوطة بهم ، ويتجمعوا في عدة بقاع ، ليُظهِروا للحاكم ومعاونيه مدى الارتياع ، وسخطهم واستياءهم ؛ مما وصل إليه حالهم ؛ من صعوبة الحصول على الطعام ؛ في غابة ’’خِصْر‘‘ ؛ والمعاونون نيام .

فقال الملك ’’دَبْشَلِيم‘‘  :

وأين كان الحاكم ومعاونوه ، ليرهق شعبه ويجعلهم يعانون ما يعانوه  ؟

فقال الفيلسوف ’’بَيْدَبَا‘‘  :

انشغل كل منهم بحاله ، ونسي واجباته وصميم أعماله ، ولكي تحصد اليوم وغداً ، لابد أن تكون قد زرعت من مدى .

فقال الملك :

وكيف يغيب عن المعاونين التخطيط ، والحاكم كيف لم يكن بأمرهم محيط . وما دورهم إذن في الغابة ، إذ لم يوفروا الحياة لكل دابة . فبدونهم يأتي يوم بالخير الوفير ، وبعده يسود الجدب إلا من نذر يسير . والقوي يأكل ما ينال وما يريد ، والضعيف يتلوى من جوع شديد . وقد يأكل القوي الضعيف ويستهين ؛ بحاله وضعفه وتوسلات المستكين .

فقال الفيلسوف :

إن الذي بات همه كرسيه وسلطته ؛ ضَيَّع مصالح الرعية وضاعت معها هيبته . والذي دهس الطريق ولمس أوجاع الرعية ؛ أصلح العيوب ؛ وأبعد الكروب ، وحفظته الرعاية الإلهية .

ولأعود بالحديث عن أهل غابة ’’خِصْر‘‘ ، والذين بلغت أحوالهم مبلغها من العسر . فسأل ’’دمنة‘‘ زرافة تسير في الطريق ؛ قال :

ألا تجدين ما يسد رمقك من طعام ؟

قالت :

وكيف وخيرات الغابة يجمعها اللئام ، ويهربونها ، ويخبئونها ، ولا يتركون ؛ إلا خراباً ننبشه ، ونفتشه ؛ علنا نجد فيه ما يسكن البطون .

قال ’’كليلة‘‘  :

أطيلوا فترة العمل ، وتذرعوا بالصبر تبلغوا الأمل .

قالت :

وصلنا الليل بالنهار ، وبحثنا بالأرض وبأعلى الأشجار … دعاني وشأني ، وضعفي ووهني .

قال ’’دمنة‘‘ لرفيقه ’’كليلة‘‘  :

أرأيت .. العشب واللحوم والحبوب ؛ يهربها المعاونون والمساعدون وأصحاب الدروب ، يثرون منها وتنتفخ منها الجيوب .

قال الفيلسوف ’’بَيْدَبَا المصري‘‘  :

هذا الحاكم يا مولاي ؛ الذي يترك الأمور ؛ تجري كما يحلوا لمعاونيه ولا يثور ، لولا ضباعه ؛ لأنزله شعبه عن عرشه وباعه ؛ بأي ثمن ؛ يداوي به أوجاعه .

قال الملك ’’دَبْشَلِيم‘‘  :

صدقت يا فيلسوف .

…..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق