موقعة الكرامة
…..
…..
قال الملك ’’دَبْشـَلِيم‘‘
لرئيس
الديوان :
استدعِ الفيلسوف ’’بَيْدَبـَا المصري‘‘ ليحضر الآن .
فأجاب :
سمعاً وطاعة يا مولاي .
وما هي إلا لحظات ، وإذ بالفيلسوف ’’بَيْدَبَا‘‘ يدخل الديوان . ثم قدم التحية وفروض الولاء والطاعة للملك ، فرحب به الملك
لمنزلته عنده ، وأذن له بالجلوس ، وقال
له :
لم تكمل يا ’’بَيْدَبَا‘‘ ما بدأته بحكاية قرية ’’خِصـْر‘‘ وحاكمها النمر ’’شـَرْوات‘‘ الذي تولى الحكم بعد الحاكم ’’أبو شارِد‘‘ ذلك السبع الذي وافته المنية
؛ لحسرته على هزيمة وحوشه في كارثة الفخاخ .
فقال ’’بَيْدَبَا‘‘ :
سمعاً وطاعةً يا مولاي … إن أول شيء يجب أن يتمتع به الحاكم ؛ هو فن القيادة ؛ إن أَجَاده تبعته رعيته ، وإلا ؛ انصرفت عنه ، وأصبح هو في
واد ، ورعيته في واد آخر . وأهم نقاط هذا
الفن ؛ هو الإلمام بوجائع رعيته .
وهذا النمر ’’شـَرْوات‘‘ كان له نوع خاص من الفكر ، فإنه يعلم أن
لرعيته ثأراً لن تتركه مهما قابلت شراً ، وهو له رأي آخر . ولكن ليُحْسِنَ القيادة ؛ لابد أن يسـجل نقطة في رغبات رعيته
ليجتذبهم إلى تياره … وبهذا الاتجاه؛ أكمل ’’كَلِيلَة‘‘ حديثه مع الثور عابر السبيل ’’مَنـْدَبَة‘‘ بعد خروجه من ديوان الحاكم
’’صَنـَادِق‘‘ ؛ فقال له :
لقد بدأ الحاكم ’’شـَرْوَات‘‘ بدفع جيش وحوش الغابة للتدريب على فنون القتال بذكاء . والتغلب على الصعاب ؛ من المصارف المائية
والتراب .. والكر والصراخ ، وتجنب الفخاخ .
وجعل الجيش في التدريب ؛ يتقدم ويتأخر .. ويهرول ويتبختر . حتى قيل أنه يلعب ، وأن مذاق الهزيمة السابق جعله يخشى أن يعاود
الحرب ويجرب .
ولكنه على حين غفلة ؛ قفز الجيش قفزة نقلته نقلة ، محى بها ذكرى الفخاخ الأليمة ؛ التي أوقعت الأسود والضباع في الهزيمة . وأثبت بذلك
أن الحرب خدعة .. ليست فقط كر وفر ؛ولكنها
أيضاً حيلة ومكر . ولكن الموقعة كأي عراك ؛ فيها ضحايا كثيرة من هنا وهناك .
فسأل ’’مَنـْدَبَة‘‘ :
ومن هؤلاء المعتدين ؟
فأجاب ’’كليلة‘‘ :
إنهم حيوانات ’’سَيدْرَابِيل‘‘ أتوا بتبجح وتهويل ، وساندتهم ’’فَتْوِيكَا‘‘
بالتشجيع والتدليل … ولكن بعد هذه القفزة ؛ تسللت بعض حيوانات ’’سَيدْرَابِيل‘‘
داخل غابة ’’خِصـْر‘‘ ، ثم أوقف القتال .
وقام الحاكم ’’شـَرْوَات‘‘ الذي اعتبره البعض داهية ، واعتبره البعض
خائناً لغابته والغابات الصديقة المجاورة ، فذهب
قاصداً ’’سَيدْرَابِيل‘‘، ووقف بينهم يردد .. كيف أن ويلات القتال دمار على جميع الأطراف ، ولنكتف ، وننبذ العنف ،
ونتحاور في نقاط الاختلاف .
فقال الملك ’’دَبْشـَلِيم‘‘ :
غريب أمر هذا الحاكم ؛ ألم يكن منتصرً .. أين ذهبت عزة وشموخ الحاكم والملوك ؛ إذا انتصر ؛ عَلا مكانة وشأنه كبر .
فقال ’’بَيْدَبَا‘‘ :
إنه يعلم أنه بانتباه ’’سَيدْرَابِيل‘‘
لما حدث في
غفلة ، ومساندة ’’فَتْوِيكَا‘‘
لها في السر
وفي العلن ؛ لن يجعل للنصر حفلة .. وستتأزم
الأمور ، وتتجرأ على أرض ’’خِصر‘‘ وتجور .
قال الملك :
وتجرأ ووقف بين الأعداء ، كما تجرأ ووقف ضد رغبة الأصدقاء ، ولم يترك فرصة للإصغاء ، لما يتردد حوله من أصداء …
قال ’’بَيْدَبَا‘‘ :
هو اعتبر نفسه منازلاً ومراوغاً
في موقعة من نوع آخر .. يُخْرِج بها غابته من تعدي ’’سَيدْرَابِيل‘‘ ، ومن أقواله عن المتسللين
من تقليل وتعليل . ولذا رآه البعض
داهية .. والحرب كانت ثأراً وعزاً وتضحية ، لرفع الروح المعنوية ، ورد الكرامة للرعية ، {…. وَمَا النَّصْرُ إِللاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} من الآية (126) سورة آل عمران .
قال الملك ’’دَبْشَلِيم‘‘
:
أفادك الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق